خواطر حول فتنة خروج دابة الأرض







من المعلوم يقيناً لدى كل مسلم أن الله في يوم ما سوف يُخرج من الأرض دابة تكلّم الناس. والدليل قوله تعالى :

{وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} (82) سورة النمل



وهذه الدابة ستكون من أعجب خلق الله ، فلم تشهد البشرية دابة مثلها . لأن هذه الدابة ستكون أول مخلوق أرضي غير بشري يتخاطب مع الناس ، فيفهمهم ويفهمونه ، ويعقل ما يقوله الناس، ثم يرد عليهم بالقول العاقل الحكيم. والدابة ليست إنساناً ،لأن التشويق والتعجّب والغرابة ستنعدم ،فلن يأبه أحد لإنسان يخاطب الناس. كما أن الإنسان في النهاية يملّ ويتعب ويسأم من كثرة الحديث مع الناس . بينما هذه الدابة ستكون مهمتها هي الكلام مع الناس [تُكَلِّمُهُمْ] . فيبدو أنها لن تعرف السأم والملل والضجر وسوف تستمر دون كلل أو إرهاق في التخاطب والتجاوب مع من يحاورها. فلعل الله سيخلقها ويهيئها لهذا الأمر. وطبع الناس عموماً أنهم يفقدون التركيز من طول الاستماع والصمت للمتحدث خلال نصف ساعة أو نحوها، لكن إن كان هناك تفاعل وحوار وتبادل للحديث فإن الإنسان لا يشعر بمرور الوقت . ونجد ذلك واضحاً مثلاً في استخدام جهاز الكمبيوتر الذي يتفاعل ويستجيب لنا كأنه يتحاور معنا فيرد على كل كلمة أو أمر نخاطبه به ، فلا نحس أمامه بالملل ولا الفتور إلا بعد مضي ساعات عدّة. وهذا سيكون حال دابة الأرض [تُكَلِّمُهُمْ] ،أي ستتفاعل معنا في التخاطب والتحاور مهما صغر الشأن أو عظم، فلن نملّ منها أو نحس بالوقت معها. وربما تستطيع دابة الأرض التخاطب مع أكثر من شخص في آن واحد .

الدابة مخلوق أرضي غير بشري (ليس من نسل آدم) ، الله أعلم بخلقته وهيئته . ولا أظن هذا المخلوق ( الدابة) من جنس أي مخلوق أرضي كسائر الحيوانات المعروفة من دواب وطيور وأسماك وغيره. وإنما مخلوق فريد لا ينتمي لأي نوع أرضي معروف. فكما خلق الله آدم بلا والد ، وكما خلق الله ناقة صالح بلا والد (والتي أظنها أصل النوق العربية والله أعلم) ،وكما خلق الله ثعبان موسى بلا والد ، وكما خلق الله طير عيسى بلا والد ، سيكون كذلك خلق دابة الأرض. ونجد تأييد عدم وجود أصل أبوي للدابة في قوله تعالى [مِّنَ الْأَرْضِ ] . فالإخراج سيكون من الأرض مباشرة ، وليس من مخلوق حي ولادة أو نسلاً. أي أن أصلها ووالدها هو الأرض مباشرة ،كآدم عليه السلام ، وليس ولادة من بشر أو مخلوق سابق.

الدابة الجديدة ( دابة الأرض) ستختلف تماماً عن ناقة صالح أو فصيلها ( الذي تخرّص بعضهم وزعم أنه لما هرب الفصيل دخل بجوف حجر ثم انطبق عليه ، فقالوا إذن هو الدابة التي ستخرج) . والاختلاف سيكون في أمرين مهمين هما العقل والكلام. إذ لم يحدث من قبل أن شهد البشر مخلوقاً أرضياً غير بشري يعقل ويفهم ويدرك ويستوعب أمور البشر وعلومهم وحياتهم ويتكلم ويتخاطب معهم بجميع ألسنتهم.

ومن زعم أن الدابة هي الجسّاسة ( وكيف تكون وهي تَجُسُّ الأخْبار للدَّجال) أو المهدي المنتظر فقد ضلّ السبيل لأنهما حديث خرافة . ومثله من غلا في علي بن أبي طالب فاعتبره الدابّة، لأن دابّة الأرض ليست بشراً ،ولم تخرج بعد حتى الآن. وعلي بن أبي طالب لن يعود بالدنيا لأنه حتى أنبياء الله أنفسهم لن يعودوا بالدنيا [{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ } (144) سورة آل عمران/ {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ } (75) سورة المائدة/ {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ } (134) سورة البقرة/ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ {34} الأنبياء].



الآية الكريمة اختصرت مهمة الدابة أو مجمل حديثها في أمر " أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ" . أي أن الدابة لعله سيكون محور كلامها مع الناس في موضوع " الناس على مر العصور لم يكونوا يوقنون بآيات الله " . ولعل هذا هو المجمل.

وهذا المقال مجرد خواطر وتكهنات وظنون ورجم بالغيب. أما تأويل الأمر وصيرورته وأحداثه وتفصيله وحيثياته فمتروك لحين ظهور دابة الأرض.



***

وقد قيل أن هناك قراءات ومعان أخرى للآية : [اللسان: وقوله تعالى: {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ} [النمل: 82]؛ قرئت: تَكْلِمُهم وتُكَلِّمُهم، فتَكْلِمُهم: تجرحهم وتَسِمهُم، وتُكَلِّمُهم: من الكلام، وقيل: تَكْلِمهم وتُكَلِّمهم سواء كما تقول: تَجْرحهُم وتُجَرِّحهم. قال الفراء: اجتمع القراء على تشديد تُكَلِّمهم وهو من الكلام. وقال أَبو حاتم: قرأَ بعضهم: تَكْلِمهُم وفسر تَجْرحهُم، والكِلام: الجراح، وكذلك إن شدد تُكلِّمهم فذلك المعنى تُجَرِّحهم].

الشوكاني (تفسير فتح القدير) : قرأ الجمهور تكلمهم من التكليم، ويدل عليه قراءة أبي تنبئهم وقرأ ابن عباس وأبو زرعة وأبو رجاء والحسن : تكلمهم بفتح الفوقية وسكون الكاف من الكلم، وهو الجرح. قال عكرمة : أي تسمهم وسماً، وقيل تجرحهم، وقيل إن قراءة الجمهور مأخوذة من الكلم بفتح الكاف وسكون اللام وهو الجرح، والتشديد للتكثير،قاله أبو حاتم .

الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن): واختلفت القراء في قراءة قوله تكلمهم فقرأ ذلك عامة قراء الأمصار تكلمهم بضم التاء وتشديد اللام، بمعنى تخبرهم وتحدثهم، وقرأه أبو زرعة بن عمرو ( تكلمهم) بفتح التاء وتخفيف اللام بمعنى: تسمهم. والقراءة التي لا استجيز غيرها في ذلك ما عليه قراء الأمصار.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم وهي في بعض القراءة تحدثهم تقول لهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون .
القرطبي (‏الجامع لأحكام القرآن): (( تكلمهم )) بضم التاء وشد اللام المكسورة _ من الكلام _ قراءة العامة ، يدل عليه قراءة أبي ( تنبئهم ) .. وقرأ أبو زرعة و ابن عباس و الحسن و ابو رجاء : (( تكلمهم )) بفتح التاء من الكلم وهو الجرج ، وقال عكرمة : أي تسمهم .

***



فأظن القراءة (بمعنى تجرحهم) قد لا تستقيم مع بقية الآية [أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ]. فالأصح أن المعنى من الكلام أي الحديث والمخاطبة.



ولكن ماذا عسى سيكون موقف الناس عموماً من الدابة حين خروجها ؟ هل ستكون نظرتهم تجاه الدابة كنظرة المسلمين ؟ هل سيقرّون أخيراً للمسلمين أن القرآن نطق بالحق وأن الدابة ظهرت كما قال القرآن ؟ هل أخيراً سيفحم المسلمون الكفار بالآية الواضحة الجلية أن القرآن من عند الله وأن ما قاله القرآن منذ زمن بعيد قد حدث ووقع ؟



دعونا نذهب في خواطر محتملة قد يكون شيء منها وقد لا تكون كلية . فالعلم عند الله بحقيقة وواقع ما سيكون [{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ } (7) سورة آل عمران]. ولكن مجرد تأملات وتخرصات ظنية قاصرة لما قد عساه أن يحدث .



لنقل أن الدابة قد خرجت من الأرض . وإذا بالناس ترى هذه الدابة العجيبة في مكان ما ( بجزيرة العرب أو المنطقة العربية عموماً على الأرجح) . فتستعجب من خلقتها الغير بشرية أو حتى الغير مألوفة كبقية دواب الأرض. وقد تكون ضخمة الحجم كضخامة الفيل أو الحوت . والله أعلم. فالناس يرون مخلوقاً عجيباً لا يشبه البشر ولا أي حيوان معروف. الناس ترى مخلوقاً أرضياً فريداً جداً . والأعجب من كل ذلك أن هذا المخلوق ينطق ويتكلم بلسان يفهمه جميع الناس [تُكَلِّمُهُمْ]. أي بألسنة كثيرة ،لأن الدابة تكلّم الناس جميعاً دون ترجمان،كل شعب بلسانه الذي يفهمه. فهذا المخلوق فاق حتى البشر في قدراتهم اللغوية . فهو يخاطب العرب بلسانهم وبجميع لهجاتهم ويخاطب الأعاجم بجميع لغاتهم ،وهذا أمر لم يسبق أن استطاعه حتى الإنسان نفسه.



طبعاً ستخرج الدابة بعد زمن من وقتنا هذا الذي تقدمت فيه وسائل الاتصال بصورة مذهلة عن طريق الكمبيوتر والتليفون والفضائيات والإنترنت . ومثلها كذلك وسائل المواصلات من طائرات وقطارات وسيّارات وسفن وما اقترن به من تطور لشبكات طرقها. ولك أن تتخيل عظمة الاتصالات حين ستخرج الدابة ، حيث ستكون الاتصالات أشد وأكثر تطوراً مما هي عليه اليوم ، رغم أن اتصالات اليوم قد بلغت مبلغاً عظيماً .



ووقت خروج الدابّة تحدده الآية الكريمة [وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ] :



أولاً ننظر في عبارة مطابقة لها [وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم] وردت في هذه الآيات التالية مباشرة لآية الدابة : [ وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ {83} حَتَّى إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {84} وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ {85} النمل]. فهؤلاء المكذبون الذين وقع القول عليهم بالآخرة يبدو أن معناه أنهم قد أُدينوا وحُجّوا. فهم لا يحيرون جواباً [فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ].أي أن الإدانة ( وهي التكذيب بآيات الله دون الإحاطة بها علماً) قد وقعت عليهم وثبتت وصحّت فلا يستطيعون ردها ولا دفعها عنهم [فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ]. فيبدو أن هناك علاقة بين وقوع القول عليهم وبين سكوتهم. فهؤلاء المكذبون قد ثبت ووقع وصحّ ظلمهم لأنفسهم بذلك التكذيب بآيات الله فوقعت عليهم الإدانة وقامت عليهم الحُجّة [{وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} (75) سورة القصص] وثبت عليهم القول ( بالتكذيب دون علم) .

كما يُقال في المحاكم وغيرها قد وقعت على فلان التهمة وثبتت عليه أو لصقت به. فالمتهم قبل أن تثبت عليه التهمة كان بريئاً أو لم يكن بالإمكان القطع والحكم بجرمه . لكن بعد أن ثبت عليه القول أي التهمة فقد أصبح بالإمكان أن يُقال عنه أنه مجرم . فالقول " بأن المتهم قد قتل أو سرق أو أجرم " قد وقع عليه الآن وثبت ولا يمكنه دفعه ولا ردّه عنه . مثل قول الله أن يُحدّ السارق والزاني ويُقتص من القاتل وهكذا ،فمن كان كذلك ( سرق أو قتل أو زنى) فإنه ينطبق عليه القول ويقع ( سواء قبل العقوبة أو بعدها). فالقول ( الحد والقصاص) قد وقع عليه وأصابه أي سرى عليه القانون وجاز ولم يبق إلا التنفيذ أو العفو ( إن كان قصاصاً). فالسارق أو الزاني أو القاتل قد وقع عليه القول ( القانون : الحد أو القصاص) حتى قبل تنفيذه.

وكذلك حال المكذّبين على جهل بالآخرة ، فما قاله الله (من أنهم كذّبوا بالآيات دون الإحاطة بها علماً ) فهو قد أصبح واقعاً متحققاً عليهم. فهم لا يستطيعون أن ينكروا ما فعلوه وما قاموا به من تكذيب ـ دون الإحاطة بما كذّبوا به علماً ـ ولا يستطيعون أن يقولوا أنهم كانوا يعملون شيئاً آخر غير ذلك التكذيب ـ هكذا بلا علم ـ [أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ]. فالله يعطيهم الفرصة العادلة للدفاع عن أنفسهم ( ان استطاعوا) ليخرجوا أنفسهم من هذا المأزق الذي أوقعوا أنفسهم فيه .فإن كان هناك عمل آخر كانوا يعملونه غير ذلك (التكذيب بلا علم) يستطيعون من خلاله أن يدفعوا عن أنفسهم الإدانة (التكذيب بلا علم) فلينبأوا وليخبروا وليحتجّوا به . لكن وضعهم يومئذ أن لا خبر يصدر منهم ولا نبأ بعمل آخر منجٍ لهم كانوا يعملونه سوى التكذيب بلا علم [{فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنبَاء يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءلُونَ} (66) سورة القصص] .فحالهم المحتوم سيكون كما قال الله [فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ]. فالقول [أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً] قد وقع عليهم وانطبق وانضبط وناسب عليهم وثبت بعد أن عجزوا عن النطق ( الدفاع) سواء قول : أنهم كانوا مكذّبين تكذيباً بلا علم ولا دليل [{بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ /{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ} (20) سورة لقمان} (39) سورة يونس/{بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ } (29) سورة الروم] أو مضافاً إليه نتيجة ذلك التكذيب ( ظلمهم لأنفسهم) مما توعّدهم الله به من عذاب وجزاء سيحيق بهم . فالقول يبدو هو ما قاله الله عنهم أنهم مكذبين بالآيات على جهل دون علم بها [أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً ].وهذا القول المعيّن قد وقع عليهم إذ لا يستطيعون دفعه عنهم . ولعلنا نجد مثل ذلك المعنى حول القول المعيّن في [{ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ} (86) سورة النحل]. فالقول هو [إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ]. ومثل [{ وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} (13) سورة السجدة]،حيث القول هو [لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ]. ومثل [{ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} (31) سورة سبأ]،فالقول هنا هو [لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ]. ومثل [{وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} (25) سورة فصلت] ،فالقول هو [إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ]. ومثله [{فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ} (31) سورة الصافات]،فالقول هنا [إِنَّا لَذَائِقُونَ].



أو ربما ثبت عليهم ووقع عليهم بشكل عام قول الله بالقرآن الذي قد قاله على المكذّبين ومصيرهم ومآلهم [{وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ } (95) سورة يونس]. القول قد يكون قول الله عموماً ( القرآن) : [ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ {40} وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ {41} وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ {42} تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ {43} وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ {44} الحاقة]. [ {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} (19) سورة التكوير]، [{إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} (13) {وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} (14) سورة الطارق/{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} (5) سورة المزمل/{وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ } (51) سورة القصص/{أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ} (68) سورة المؤمنون].

فقول الله سيقع [{ {وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ} (6) سورة الذاريات/{إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ} (7) سورة المرسلات]،ومن ظلم نفسه فسيقع القول ( الوعيد) عليه [{قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ} (28) {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} (29) سورة ق]. فقول الله لا يُبدّل وسوف يقع بعد إمهال على الظالم بالدنيا أو بالآخرة ثم الأمر لله أن يفعل بعباده ما يشاء .



كذلك أصحاب الدابّة بالدنيا [وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ] بسبب ظلمهم لأنفسهم ( وذلك عندما يكونون في غالبهم مكذّبين بلا سبب منطقي أو علمي) فأمكن اعتبارهم كمن لا يستطيع النطق لردّ ودفع القول عنه ( كأن يقول مثلاً أنه ليس مكذّباً أو أن تكذيبه قام على علم وأساس أو على عذر أو برهان أو أنه كان يعمل عملاً آخر غير التكذيب بلا علم) لأن ظلمه قد ثبت عليه بهذه الدنيا. فكأنه تلقّف وقبل القول ضدّه والذي يدينه ويجرّمه فلا يستطيع صرفه وإلقائه بعيداً عنه . أي كأن الله قد حاسب هؤلاء الناس بالدنيا قائلاً لهم أنهم كانوا مكذبين بآيات الله بلا علم ولا برهان ، فلم يحيروا جواباً ولا رداً لدفع القول عنهم بسبب عجزهم عن تبرئة أنفسهم ،فكأنهم أقرّوا بذنبهم [{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ } (45) سورة فاطر]. فبعد أن يقع القول [أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ] على الناس ( أي أنه على الأرجح ما ستخبر به الدابة من أن الناس كانوا لا يوقنون بآيات الله) ستخرج الدابّة لتكلّمهم بوقوع ذلك القول عليهم وهو [أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ]. أي أن الدابة ستخرج بعد أن تقوم عليهم الحُجّة وتثبت الإدانة فلا يكون للناس عذر ولا سبيل لدفع القول ضدهم سواء اعترفوا بذلك أم لم يعترفوا . لأن الذي يحكم بذلك هو الخبير بعباده [{رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} (25) سورة الإسراء]. فالقول عليهم ( لعله بعدم اليقين بآيات الله أو قول الله عموماً بالقرآن) قد ثبت وتحقق وأصبح واقعاً ملموساً ولا يمكنهم دفعه أو إنكاره بأي وسيلة . ومهما أنكروا ما قاله الله عليهم فلن يجديهم ذلك نفعاً لأنهم فعلاً كما هو قول الله عليهم. فعندما يُستوفى لدى الناس القول ( الإدانة) بعدم اليقين بآيات الله ،عندئذ تخرج دابة الأرض تكلّم الناس أنهم قد وقع ( ثبت) عليهم القول ( الإدانة بأنهم لا يوقنون). أي ستقول الدابة أنه قد وقع وثبت وتحقق أن الناس لا يتكون لديهم يقين ( علم ) بآيات الله لأي سبب ( كالجهل أو التجاهل أو الإعراض أو الكبر أو عدم الاكتراث أو التكذيب أو كره الحق أو أو موت القلب وعماه أو تقليد الآباء والمدارس تقليداً جامداً أو غيره من الأسباب أو الأمراض التي تصيب القلوب) أي كما قال الله [وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً] وكما قال [{ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ} (24) سورة الأنبياء].



فقد يكون المعنى أن القول لم يقع بعد على الناس حتى الآن ( ربما لأنهم لم يستوفوا عدم اليقين بعد في علم الله) ، ولكن عندما يقع القول عليهم أي يتحقق عليهم ويتمّ وينطبق ويُستوفى ما قاله الله ( من أن الناس لا يوقنون بآيات الله) ، فعندئذ سوف تخرج الدابة. والناس الذين لا يوقنون هم على الأرجح هذه الأمة الأخيرة التي رسولها محمد عليه الصلاة والسلام [{كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ } (30) سورة الرعد/{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} (47) سورة يونس/{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا} (41) سورة النساء]. فكل أمة خلت قد ثبت أن أكثرها لا يوقن [{مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ } (6) سورة الأنبياء/{وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ } (102) سورة الأعراف/{وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ} (71) سورة الصافات] ولم يبق إلاّ دور هذه الأمة أن يقع عليها القول. وسيثبت عدم اليقين لهذه الأمة ـ كما قد ثبت لمن قبلها من الأمم ـ عند ظهور الدابة [{يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون} (30) سورة يــس]. فوقع القول عليهم أي تحقق فيهم وتقرر وانطبق وتمّ عليهم وسرى وجاز ومضى ونفذ. فيبدو أن كثيراً من الناس (ربما أكثر الناس) في زمن ما سيتحقق القول عليهم ويتقرر وينطبق ويصحّ فيكون تكذيبهم بالآيات قد اكتمل وبلغ ذروته [{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً } (43) سورة الرعد] وحينها تخرج الدابة لتخبرهم بواقع حالهم (أن الناس كانت لا توقن بآيات الله). فالأمم الأولى ( قبل هذه الأمة الأخيرة) كان يتقرر القول على أكثرهم في أثناء حياة رسولهم . وقلّة من الأمم يترنحون بعد موت رسولهم بين الإيمان والكفر كأمة موسى وأمة عيسى عليهما السلام ( فلا هم اتّبعوا كتاب الله حق الاتّباع ولا هم كفروا به كمن قبلهم) ليثبت في النهاية أن أكثرهم لا يوقنون. وأما هذه الأمة الأخيرة ( أمة محمد عليه الصلاة والسلام أي جميع الناس منذ مبعث خاتم النبيين حتى تقوم الساعة) فهي أمة خاصة مختلفة وأهم ما يميّزها هو الكم الهائل من البشر الذي فاق في عدده أي أمة سابقة ( ويبدو أن البضعة مليارات من البشر في كل جيل الآن ستتكاثر خلال بضعة قرون إلى عشرات من المليارات لكل جيل) فأظن أن عدد البشر قبل محمد عليه الصلاة والسلام ليس شيئاً مذكوراً أمام عددهم بعده ( فالتاريخ قبل محمد عليه الصلاة والسلام شيء والتاريخ بعده شيء آخر [وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً {8} وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً {9} وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً {10} الجن])، وكذلك عدم مجيء نبي بعد خاتم الرسل محمد عليه الصلاة والسلام ، وأيضاً عدم السماح بتحريف أو تضييع كتاب الله الأخير وهو القرآن العظيم ليكون حجّة على كل جيل من هذه الأمة حتى قيام الساعة ، وأخيراً أن هذه الأمة تتألف من كل الأعراق والألسنة [{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } (158) سورة الأعراف/{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } (107) سورة الأنبياء]. لذلك فالإمهال لها لكي يقع القول عليها سيكون طويلاً جداً وقد تجاوز 1400 سنة حتى الآن وسيستمر إلى وقت ما في علم الله ، وحينئذ سيقع القول على هذه الأمة ( بأنهم لا يوقنون كمن سبقهم ) ، كما قد وقع على من قبلها من الأمم [{وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ } (4) سورة فاطر/{وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ } (18) سورة العنكبوت ]. وعند وقوعه ستخرج الدابة.



فالله يُنظرنا حتى وقت معين لكن بعده سيقع القول علينا ( نستوفي عدم اليقين أو التيقّن) وحينئذ تخرج الدابة . ففي وقت ما سيتقرر أننا لا نوقن ، عندئذ ستخرج الدابة لتخبرنا بحقيقة واقعنا المؤلم. فالدابة مهمتها فقط أن تقرر للناس حقيقتهم التي آلوا إليها من عدم اليقين بآيات الله. فوقع القول عليهم أي طابق وماثل وناسب حالهم .



فأصحاب الدابة إذا وقع القول عليهم ( تحقق القول عليهم أنهم لا يوقنون) تخرج عندئذ الدابة لتكلّمهم . كأن الله يقول لهم قد أكرمتكم فأرسلت لكم أنبياءاً بشراً مثلكم يهدونكم لكنكم تصرفتم كالأنعام بل أضل [{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} ( 44) سورة الفرقان] فلا تفقهون قولاً ولا منطقاً فها هي دابة ( غير بشر) قد فهمت ووعت ما لم تفهموا وها هي دابة غير بشر تكلّمكم حول دينكم أنكم لا توقنون بدين الله وآياته . فكأن هذا مستواكم أنكم أقل فهماً وعقلاً من مستوى الدواب غير البشرية التي فهمت ما لم تفهموه. فهذا سيكون إحراجاً كبيراً للبشرية أن تدرك دابة ما لم يدركوه وتستوعب ما لم يستوعبوه وتنبئهم بما لم يفهموه. فوقوع القول عليهم أي أنهم حققوا شروط الكفر فانطبق القانون عليهم كما قد انطبق على من قبلهم [{ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} ( 25) سورة فصلت].

فالقول هو قول الله وقد يكون بشكل عام ويبدو أنه هنا (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) متعلق بشروط الخسران والهلاك فعندما تنطبق تلك الشروط على أولئك الناس ( بعض الناس أو غالبهم) يكون القول ( قول الله) قد وقع عليهم وسرى ونفذ وعندها تخرج الدابة.


منقوووووووووووووووووووووووووول
------------------------------------------------------------------------------
للموضوع بقية في سلسلة أحداث يوم القيامة بالتفصيل لمن لا يعرف
----------------------------
داركوولف