منقول عن "]مستشار الأحلام
قال: (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ) ياكثير الصدق في أقواله وأفعاله (أَفْتِنَا) سَمّى التفسير فتوى (فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍسِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍلَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ) فإنهم متشوقون لتعبيرها،وقد أهمتهم.
فعبر يوسف: السبع البقرات السمان والسبعالسنبلات الخضر، بأنهن سبع سنين مخصبات، والسبع البقرات العجاف، والسبع السنبلات اليابسات،بأنهن سنين مجدبات، ولعل وجه ذلك - والله أعلم - أن الخصب والجدب لما كان الحرث مبنياعليه، وأنه إذا حصل الخصب قويت الزروع والحروث، وحسن منظرها، وكثرت غلالها، والجدببالعكس من ذلك. وكانت البقر هي التي تحرث عليها الأرض، وتسقى عليها الحروث في الغالب،والسنبلات هي أعظم الأقوات وأفضلها، عبرها بذلك، لوجود المناسبة، فجمع لهم في تأويلهابين التعبير والإشارة لما يفعلونه، ويستعدون به من التدبير في سني الخصب، إلى سني الجدبفقال: (تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا) متتابعات، (فَمَا حَصَدْتُمْ) من تلك الزروع(فَذَرُوهُ) اتركوه (فِي سُنْبُلِهِ) لأنه أبقى له وأبعدُ من الالتفات إليه (إِلا قَلِيلاًمِمَّا تَأْكُلُونَ) أي: دبّروا أيضا أكلكم في هذه السنين الخصبة، وليكن قليلاً ليكثرما تدخرون ويعظم نفعه ووقعه.
(ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ) بعدتلك السنين السبع المخصبات (سَبْعٌ شِدَادٌ) مجدبات جداً (يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْلَهُنَّ) يأكلن جميع ما ادخرتموه ولو كان كثيراً (إِلا قَلِيلا مِمَّا تُحْصِنُونَ)أي: تمنعونه من التقديم لهن.
(ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ) السبعالشداد (عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) فيه تكثر الأمطار والسيول،وتكثر الغلات، وتزيد على أقواتهم، حتى إنهم يعصرون العنب ونحوه زيادة على أكلهم. ولعلاستدلاله على وجود هذا العام الخصب، مع أنه غير مصرح به في رؤيا الملك، لأنه فهم منالتقدير بالسبع الشداد، أن العام الذي يليها يزول به شدتها، ومن المعلوم أنه لا يزولالجدب المستمر سبع سنين متواليات، إلا بعام مخصب جداً، وإلا لما كان للتقدير فائدة.
فلما رجع الرسول إلى الملك والناس، وأخبرهمبتأويل يوسف للرؤيا، عجبوا من ذلك، وفرحوا بها أشد الفرح.
يقول تعالى: (وَقَالَ الْمَلِكُ) لمن عنده(ائْتُونِي بِهِ) أي: بيوسف عليه السلام، بأن يخرجوه من السجن ويحضروه إليه، فلما جاءيوسفَ الرسولُ وأمره بالحضور عند الملك، امتنع عن المبادرة إلى الخروج، حتى تتبين براءتهالتامة، وهذا من صبره وعقله ورأيه التام.
فـ (قَالَ) للرسول (ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ)ارجع إلى سيّدك الملك (فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ)اسأله ما شأنهن وقصتهن، فإنّ أمرهن ظاهر متضح (إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ).
فأحضرهنّ الملك، وقال: (مَا خَطْبُكُنَّ)،ما شأنكن؟ (إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ) فهل رأيتن منه ما يريب؟
فبرَّأنه و (قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَاعَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) قليلٍ ولا كثير.
فحينئذ زال السبب الذي تنبني عليه التهمة،ولم يبق إلا ما عند امرأة العزيز، فـ (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَالْحَقُّ) تَمحَّضَ وتَبيّن الحقُّ بعد ما كنا نتظاهرُ بالحقّ فنتهم يوسف بالسوء والتهمةحتى أوصلناه إلى السجن، لأنه امتنع عن ممارسة الشهوة معنا. الحقُّ هو: (أَنَا رَاوَدْتُهُعَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) في أقواله وبراءته.
فلما تحقق الملك والناس براءة يوسف التامة،أرسل إليه الملك وقال: (ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي أجعله مِن خاصّة نفسي،ومقرباً لديَّ. فأتو به مكرماً محترماً، (فَلَمَّا كَلَّمَهُ) أعجبه كلامه، وزاد موقعهعنده فقال له: (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا) عندنا (مَكِينٌ أَمِينٌ) متمكن أمين علىالأسرار، فـ (قَالَ) يوسف طلباً للمصلحة العامة: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرْضِ)على خزائن جبايات الأرض وغلالها، وكيلاً حافظاً مُدبراً، (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)حفيظ للذي أتولاه، فلا يضيع منه شيء في غير محله، وضابطٌ للداخل والخارج، خبير عليمبكيفية التدبير والإعطاء والمنع، والتصرف في جميع أنواع التصرفات، لأنه رجل صالح قدعرف من نفسه من الكفاءة والأمانة والحفظ ما لم يكن الناس آنذاك يعرفون ما يعرفه يوسف،والواقع والتجربة والاختبار أثبت له ذلك فأنقذ دولة مصر من الهلاك، وثبت للملك صلاحيوسف وعلمه وخبرته وحبه للصالح العام، وانتشر خبر يوسف في الأرض، وخيره وعدله وأمانته،وأظهر الله مكانة النبي يوسف وفضله وقدره فقال: (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِيالأرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلانُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلأجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوايَتَّقُونَ).
منقول عن [مستشار الأحلام