الثقة بالله ...
بقلم : أحمد مرزوق عبد المجيد
يتقلب الإنسان في هذا الكون بين نعم الخالق وآلاءه ، ويعيش حياته متنقلا بين فضائله وخيراته ، فهو في نعيم دائم ، يشعر به من قوي إيمانه وصدق تعلقه بالله واتجاهه قال تعالى " وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ" ( النحل(53 والمسلم يؤمن إيمانا جازما أن ما يصيبه من متاعب نفسية أو أمراض جسدية إنما هو بتدبير الخالق جل وعلا وانه تعالى ارحم به من نفسه، لكنه يمتحنه ويختبره ليرفع درجاته ويمحو ذنوبه وسيئاته ، قال من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم : "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ؛ إن أصابته سراء شكر ؛ فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر ؛ فكان خيراً له" ( رواه مسلم) وكلما زاد إيمان العبد وقويت صلته بربه زاد صبره على البلاء وزاد طمعه في موعود ربه الكريم، يقول تبارك وتعالى: " إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب " (الزمر 10) وهذا لا يتأتى إلا للمؤمن الذي يعيش في روضة الإيمان ورحاب اليقين والثقة بالله وحده وانه لا يقدر شيئا إلا بحكمة ولحكمة ، قد يتعرف عليها الإنسان وقد يقف عن إدراكها عقله القاصر وفي كل خير.
وقد يحزن الإنسان بسبب فوات شئ من ماديات الحياة ومتعها الزائلة وليس احد بمعزل عن ذلك ومثل تلك النوازل هي المحك الحقيقي لصير العبد وثباته وقوة إيمانه ، صحيح أن الإنسان يتأثر وتتحرك مشاعره وترد عليه الكثير من الأفكار والخواطر حين يجد عليه طارئ أو يصيبه مصاب لكنه في الوقت نفسه مطالب بعدم الاستسلام أو الإفراط في الحزن والشكوى بل عليه التزام الرضا بقضاء مولاه .
فعلى الإنسان الشكر في كل الأحوال فلا تدفعه لحظة الحزن لارتكاب ما يمكن أن يغضب ربه وينزل عليه سخطه ، ولنعلم أجمعين أن الإيمان بالله تعالى إيمانا صحيحا خالصا يحفظ العبد ويقيه ويكسوه أجواء من السعادة والاطمئنان فلا يتأثر بما يجري عليه من أنواع الابتلاء بل انه في داخله يعيش حياة مطمئنة وان كان غيره لا يراه كذلك !
يقول الإمام الزاهد إبراهيم بن ادهم رحمه الله "والله إننا لفي نعمة لو علمها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف" يقصد نعمة الإيمان قال تعالى: " مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ " ( النحل 97) فالمؤمن الحق هو من يتقلّب بين مقام الشكر على النعماء ، وبين مقام الصبر على البلاء ، فيعلم علم اليقين أنه لا اختيار له مع اختيار مولاه سبحانه وتعالى فيتقلّب في البلاء كما يتقلّب في النعماء، ويعلم أنه ما مِن شدّة إلا وسوف تزول ، وما من حزن إلا ويعقبه سرور، وأن مع العسر يسرا ، وأنه لن يغلب عسر يُسرين .فليحفظ كل منا ثقته بربه وبحكمته وبما قدر له من خير، وتبارك الله العليم الحكيم الذي لا راد لفضله ولا معقب لحكمه ...